من المأثورات الزكية أن الأخ الصالح خير لك من نفسك، وذاك بأن النفس أمّارة بالسوء، والأخ الصادق لا يأمرك إلا بخير، فتبين في الرفاق وكن على حذر في الاصطفاء، حتى تجد لك أخاً أو صاحباً، يعينك في مشورة أو يقف معك في معضلة أو يسندك في ملمة، ومن وجد له رفيقاً صفياً صادقاً أمن الوقوع في الطريق اللزجة، وأمن التيه في المسالك المتعرجة، وكان عمر بن الخطاب يقول: «ما وجدنا شيئاً أبلغ في خير ولا شر من صاحب». ونصح علي بن أبي طالب ابنه ذات يوم فقال: «يا بني اعلم أن الغريب من لم يكن له حبيب». وما ضاقت الأرض على امرئ اتخذ له أعواناً وأحباباً وإخواناً، يؤنسون وحشته، ويقيلون عثرته، ويدعمون صحبته، ويصححون زلته، ويقيمون اعوجاجه، ويقضون له الحاجة، ويستدركون عليه ما يفوت، ويتحدثون إن أدركه السكوت، ولا أعظم من الحصول على أخ صادق صدوق من التفريط في حقه وتضييع صداقته، وقد قال صفوان بن خالد مشيراً إلى فضل الحفاظ على الأخوة: «إن أعجز الناس من قصّر في طلب الإخوان وأعجز منه من ضيّع مَنْ ظفر به منهم». وقيمة الأخ أنه إضافة جديدة إلى الأسرة وعون له في العسرة، فإن الصديق المساعد عَضُد وساعد، وكثرة الإخوان مثمرة لا مفرقة، فهذا الشافعي يقول:
وأكثر من الإخوان ما استطعت، إنهم
بطون إذا استنجدتهم وظهور
وليس كثيراً ألف خلٍ لواحدٍ
وإن عدواً واحداً لكثيرُ
وكان من نصائح لقمان يعظ ابنه ويرشده «.. يا بني ليكن أول شيء تكتسبه بعد الإيمان خليلاً صالحاً، فإنما مثل الخليل كمثل الشجرة، إن قعدت في ظلها أظلتك وإن احتطبت منها حطباً نفعك، وإن أكلت من ثمرها وجدته طيباً».
ولا تعدم الأجيال أن تنجب أمثال هؤلاء الحميمين الأعزاء، حتى تحت ظلال هذه الحياة المعاصرة المفعمة بالتحولات والتقلبات وأوهام المصالح والانتفاع، لكن وجود الشرفاء من الإخوان مرهون بسلامة النوايا، وصدق العطاء والمداراة، وحرص كل امرئ على حماية ظهر أخيه، وإذا تغاضى عن زلاته، وطوى أضلعه على قلب محب مشفق، عندها تكون الأخوة أنموذجاً ومعنى حقيقياً للحياة، فالصدق هو الأساس في أي علاقة على وجه الأرض، فإن كان كل شيء دون «الصدق» لم يكن أي شيء «للصديق»، وأطرف تقسيمات الأخوة والأصدقاء ما فعله المأمون حين أحالهم إلى طبقات ثلاث:
١) طبقة كالغذاء لا يُستغنى عنه أبداً.
٢) طبقة كالدواء لا تحتاج إليه دوماً.
٣) طبقة كالداء لا تحتاج إليه أبداً.
أما أنا فقد أضيف على الصديق وجود العدو، فإن أنفع ما تصيب من ثمار الحياة، عدو يستحثك على اتقان العمل، وإحسان الأداء، والحرص على الكمال ما استطعت، وذلك لا تفعله في حضرة الصديق، بل أرى أن يصدق المرء في مشورته للصديق والعدو على حد سواء، فالصديق يرضى عنك بقضاء شأنه، والعدو يهابك لصواب رأيك.