من أجمل الذكريات في ذهن هذا العاشق سماع الاذان في قريته وهو يملأ فضاء هذه القريه الجميله ويسري في ربوعها معلنا دخول الصلاه هاتفا ً بأهل القريه أن تعالوا إلى بيت الواحد الأحد تعالوا إلى بيت الكريم الجواد تعالواإلى مصدر السكينه،ومنبع النور، ودار الهدى،ولم يغب عن ذهنه-كذلك-مشهد الصلاه في القريه لأنه مشهد مؤثرخالد إذ إن أهل القريه لا يساومون في مسألة الصلاه؛بل الموت ولا ترك الصلاه،ولذلك عاش هذا العاشق على المحافظه على الصلاه منذ صغره فبيته لايقبل مساومه في تأخير الصلاه فضلا عن تركها والصلاه في ضمير هذا العاشق شئ يفوق الوصف ولأنه يحافظ على الصلاه مثل أقرانه من أطفال القريه فقد عاشوا بلا قلق ولا إحباط ولا يأس لأن الصلاه وقود لايخبو،ونبع لا ينضب،ومدد لا ينتهي من الامن والايمان والأمل،ولذلك يقول عز وجل: (واستعينوا بالصبر والصلاة) والويل كلّ الويل لمن لم يصلّ،الويل له من الوسوسه التى ستنخر في إرادته،والويل له من الغم الذي سيلازمه،والويل له من الكبت الروحي الذي سيحطم أعصابه،والويل له من الشقاءالذي سيحرق سعادته،والويل له من سوء المصير،إنه يعيش بلا أمل ويمضي بلا رشد،فهو منقطع تماما ًمن مصدر اليقين،مبتور حقا ًمن حبل الرجاء؛لأن الصلاة فيها حبل يصل بين الفناء والبقاء،والضعف والقوة،والفقر والغنى،بين فناء الأنسان وبقاء الملك الديان ،بين ضعف هذا المخلوق العاجز وقوة الجبار القهار،بين فقر العبد المحتاج البائس وغنى الجواد الكريم.
نشأ هذا العاشق في بيت يصلي،وفي قريه تقدس الصلاه،فمهما اخطأ فأنه لايمكن أن يخطئ في تأخير الصلاه عن وقتها،اما ترك فريضه واحده منها طيلة هذا العمر فهذا هو المستحيل،بل مجرد التفكير في ذلك جرم عظيم ،ومصيبه كبرى،ونقمه محققه.
ولقد عرف هذا العاشق-بعدما كبر-لذائذ الحياه ومتع الدنيا،فاذا هي لاشئ مع نعيم القلب وسعاده الروح،فلا مال ولا منصب ولادار ولا قصر ولاجاه يعادل ذرة من الاتصال بالله رب العالمين،والسجود له،والانطراح في محراب عظمته،وتمريغ الانف على عتبات ربوبيته-جل في علاه-.
ولمّا تركت الصلاة عند البعض ضاعوا وانسحقوا وانتهت حياتهم فهم صرعى المخدرات،وضحايا الجرائم،وقتلى النزوات،وعبيد الشهوات والآثام،وحين تركت الصلاه عند البعض عاشوا أصفارا ً صغارا ً،بلهاء أغبياء بلداء،لاهمم ،لا أهداف،لا مثل،لاغايات،لأن من قطع صلته بالله قطع صلته بالحق والنور والسعاده والفلاح،ونحن لانريد موهوبين فجره،ولااذكياء فسقه،ولاعباقره انجاسا ً،نريد جيلا ًربانيا ًطاهرا ًزاكيا ًمؤمنا ً،يملاء أمته وحياته نورا ًوهدى...
الشيخ/د.عايض القرني