تستفزني الخطوط الحمراء... ولا ادري لماذا هي حمراء و ليست سوداء أو زرقاء مثلاً...ربما لأن اللون الأحمر مثير...و لكن يثير من؟
دعك أيها القارئ من دوامة تلك الأسئلة التي لا تنتهي و لنعترف بحقيقة أن لكل مجتمع خطوطه الحمراء...
فمثلا التشكيك في أوروبا بالمحرقة يعني أنك تجاوزت الخط الأحمر، يقابله في أمريكا الثرثرة حول ضعف القومية الأمريكية، حتى في الدول الاسكندنافية التي تعتبر ذاتها مرضعة للحرية ليس بوسعك فيها أن تسخر من النساء العاريات على الشواطئ...
يااااه ...حتى العري صار له من يدافع عنه!
وما إن تسحب الموضوع ذاته إلى الساحة العربية حتى يصبح الحديث ذا شجون ..فالخطوط الحمراء تمتد يميناً و شمالاً ..غرباً و شرقاً لدرجة يصبح فيها الحديث عن الخطوط الحمراء خطا أحمر وذا أبعاد.
فعندما ترسل مقالا لجريدة رسمية – على أساس أن هناك جرائد غير رسمية – ويقرر مسئول النشر أو لنقل خبير اللون الأحمر انك ابتعدت عن الثوابت ..و لا تدري هذه كيف أصبحت من الثوابت –ومن قام بتثبيتها – حتى يرن جوالك..و طبعا لن يقول لك انك تجاوزت بل ستفهم لوحدك عندما يسألك و براءة الأطفال في صوته
(هل لديك مقال آخر)؟
طبعا إياك أن تفهم غلط فمقالك لم يُمنع بل فقط سيؤجل كما يخبرك...والحقيقة انه صادق في كلامه...فمقالك بالفعل سيؤجل وليس كثيراً بل مرة واحدة ...و إلى الأبد...
وإذا حاولت أن تشرح وجهة نظرك فإن ثوابته لا تحتمل الجدل.. إذ سرعان ما يكرر عليك سؤاله يائساً......لم تخبرني هل لديك مقال آخر ؟
تراودك فكرة الثأر لمقالاتك المؤجلة فتعترض فيما سهرت ليالي حتى تنهيه .. أنهاه هو بكلمة واحدة ... فيحن عليك وتأتيك الأجوبة التالية ...المقنعة طبعا
هذا مقال يزعج (الناس اللي فوق)
وذاك موضوع يسئ (للناس اللي تحت)
وتتذكر أغنية احمد عدوية (حبة فوق وحبة تحت)
وتلك فكر(قد تثير الناس اللي برِا) فمن واجبك أن تحسب حسابهم ألست في عصر العولمة و القرية الكونية الصغيرة !!
ثم فجأه تجدك تتخلى عن المناضلة الأدبية لتسأل - ماذا اكتب إذًا ؟
ويرد عليك بابتسامة صفراء وليست حمراء هذه المرة..
اكتب عن الأشياء الجميلة ...وعن الصباحات المشرقة....والحدائق الخضراء والطيور المغردة...ثم يستطرد مزهوًا:
أليس في هذا الوطن من الجمال ما يستحق عنه الحديث!
(بلى يوجد) تجيب أنت فيما الغصة تغتال بقية كلماتك..
وتعود إلى حيث ما كان يفترض أن تغادر وتشرع في الكتابة عن الوطن الجميل...الجميل حقا ..لولا خطوطه الحمراء ولولا.....لن أكمل لأنه وبصراحة ليس لدي مقال آخر !!
ختاما - هل تعلم ماهو الرابط المشترك بين حفار القبور وبين الرقيب؟
الأول يواري جسدك التراب ...والثاني يقبر أفكارك !