عرض مشاركة واحدة
قديم 29-01-2013, 12:49 AM   المشاركة رقم: 39
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فعال

البيانات
التسجيل: Nov 2012
العضوية: 4984
المشاركات: 110
بمعدل : 0.03 يوميا
معدل التقييم:
نقاط التقييم: 10

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
صعب انساك غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عابر طريق المنتدى : منتدي الخواطر و القصص
افتراضي

نهار الثلاثاء والجو صافٍ، أسيرُ
على شارع جانبيّ مغطّى بسقف من
الكستناء... أسير خفيفاً خفيفاً كأني
تبخرتُ من جسدي، وكأني على موعد
مع إحدى القصائد. أنظر في ساعتي
شارداً. أتصفحُ أوراق غيم بعيد
تدوِّنُ فيه السماءُ خواطر عليا، أقلِّبُ
أحوال قلبي على شجر الجوز: خالٍ
من الكهرباء ككوخ صغير على شاطئ
البحر. أسرَعَ، أبطأَ، أسرعَ أمشي.
أُحدق في اللافتات على الجانبين...
ولا أحفظ الكلمات. أدندن لحناً
بطيئا كما يفعل العاطلون عن العمل:
"النهر كالمهر يجري إلى حتفه / البحرِ
والطيرُ تختطف الحبَّ من كتف النهر".
أهجس، أهمس في السر: عِش
غدك الآن! مهما حييتَ فلن تبلغ
الغدَ... لا أرض للغد، واحلم
ببطء، فمهما حلمت ستدرك أن
الفراشة لم تحترق لتضيئك /

أمشي خفيفاً خفيفاً. وأنظر حولي
لعلي أرى شبهاً بين أوصاف نفسي
وصفصاف هذا الفضاء فلا أتبيّن
شيئا يشير إليَّ

[ إذا لم يغنِّ الكناريُّ
يا صاحبي لكَ... فاعلم
بانك سجان نفسك، إن
لم يغن الكناري]


لا أرض ضيقة كأصيص الورود
كأرضك أنت... ولا أرض واسعة
كالكتاب كأرضك أنت.. ورؤياك
منفاك في عالم لا هوية للظل
فيه، ولا جاذبية /

تمشي كأنك غيرك /

لو أستطيع الحديث إلى أحد في
الطريق لقلتُ: خصوصيتي هي ما
لا يدلُّ عليَّ، وما لا يسمى
من الموت حلماً، ولا شيء أكثر /
لو أستطيع الحديث إلى امرأة
في الطريق لقلتُ: خصوصيتي لا
تثير انتباهاً: تكلُّسُ بعض الشرايين
في القدمين، ولا شيء أكثر، فامشي
الهوينى معي مثل مشي السحابة
"لا هي ريثٌ... ولا عجل" ...

لو أستطيع الحديث إلى شبح الموت
خلف سياج الأضاليا لقلتُ: ولدنا
معا توأمين، أخي أنت يا قاتلي،
يا مهندس دربي على هذه الأرض...
أمي وأمك، فارمِ سلاحكَ /

لو أستطيع الحديث إلى الحبِّ، بعد
الغداء، لقلت له: حين كنا
فتيَّين كنا لهاث يدين على زغب
المفردات، وكنتَ قليل الصفات، كثير
الحراك، وأوضحَ: فالوجه وجهُ
ملاكٍ يجيء من النوم، والجسم
كبشٌ بقوة حمى. وكنت تُسمَّى
كما أنت "حباً" فيُغمى علينا
ويُغمى على الليل /

أمشي خفيفاً، فأكبر عشر دقائق،
عشرين، ستين... أمشي وتنقص
قيَّ الحياةُ على مهلها كسعال خفيف.
أفكر: ماذا لو أني تباطأتُ، ماذا
لو أني توقفتُ؟ هل أوقف الوقت؟
هل أربكك الموت؟ أسخر من فكرتي،
ثم أسأل نفسي: إلى أين تمشين
أيتها المطمئنة مثل النعامة؟ امشي
كأن الحياة تعدِّل نقصانها بعد حين.
ولا أتلفت خلفي، فلن أستطيع
الرجوع إلى أي شيء، ولا أستطيع
التماهي

ولو أستطيع الحديث إلى الربِّ قلت:
إلهي إلهي! لماذا تخليتَ عني؟
ولست سوى ظل ظلك في الأرض،
كيف تخلَّيت عني، وأوقعتني في
فخاخ السؤال: لماذا خلقت البعوض
إلهي إلهي؟

وأمشي بلا موعدٍ، خالياً من
وعود غدي. أتذكر أني نسيتُ،
وأنسى كما أتذكرُ:

أنسى غراباً على غصن زيتونةٍ
أتذكر يقعة زيت على الثوب

أنسى نداء الغزال إلى زوجه
أتذكر خط النمال على الرمل

أنسى حنيني إلى نجمة وقعت من يدي
أتذكر فروَ الثعالب

أنسى الطريق القديم إلى بيتنا
أتذكر عاطفة تشبه المندرينة

أنسى الكلام الذي قلته
أتذكر ما لم أقل بعد

أنسى روايات جدي وسيفا على حائط
أتذكر خوفي من النوم

أنسى شفاه الفتاة التي امتلأت عنباً
أتذكر رائحة الخس بين الأصابع

أنسى البيوت التي دونت سيرتي
أتذكر رقم الهوية

أنسى حوادث كبرى وهزة أرض مدمرة
أتذكر تبغ أبي في الخزانة

أنسى دروب الرحيل إلى عدم ناقص
أتذكر ضوء الكواكب في أطلس البدو

أنسى أزيز الرصاص على قرية أقفرت
أتذكر صوت الجداجد في الحرش

أنسى كما أتذكر، أو أتذكر أني نسيت

[ ولكنني
أتذكر
هذا النهار،
نهار الثلاثاء
والجو صافٍ ]



وأمشي على شارع لا يؤدي إلى
هدف . ربما أرشدتني خطاي إلى
مقعد شاغر في الحديقة، أو
أرشدتني إلى فكرة عن ضياع الحقيقة
بين الجماليّ والواقعي. سأجلس وحدي
كأني على موعد مع إحدى نساء
الخيال. تخيلتُ أني انتظرت طويلاً،
وأني ضجرت من الانتظار، وأني انفجرت:
لماذا تأخرتِ؟ تكذب: كان الزحام
شديداً على الجسر. فاهدأ. سأهدأُ
حين تداعب شعري. سأشعر أن
الحديقة غرفتنا والظلال ستائرُ

[ إن لم يغن الكناريُّ
يا صاحبي لك... فاعلم
بأنك أفرطت في النوم
إن لم يغن الكناري ]

وتسأل: ماذا تقول؟
أقول لها: لم يغن الكناري لي
هل تذكرتني يا غريبة؟ هل أشبه
الشاعر الرعوي القديم الذي توجته
النجوم مليكا على الليل، ثم تنازل
عن عرشه حين أرسلته راعياً
للغيوم؟ تقول: وهل يشبه اليوم أمسِ،
كأنك أنت...

[ هناك، على المقعد الخشبي المقابل
بنتٌ يُفتٍّتُها الانتظار
وتبكي،
وتشرب كأس عصير...
تُلمّع بلّور قلبي الصغير
وتحمل عني عواطف هذا النهار ]

وأسألها: كيف جئتِ؟
تقول: أتيت مصادفة. كنت أمشي
على شارع لا يؤدي إلى هدف.
قلت: أمشي كأني على موعد...
ربما أرشدتني خطاي إلى مقعد شاغر
في الحديقة، أو أرشدتني إلى فكرة
عن ضياع الحقيقة بين الخيالي والواقعي.
وهل أنت تذكرني يا غريب؟
وهل أشبه امرأة الأمس، تلك الصغيرة،
ذات الضفيرة، والأغنيات القصيرة
عن حبنا بعد نوم طويل
أقول: كأنكِ أنت..

[ هناك فتى يدخل الآن
باب الحديقة،
يحمل خمساً وعشرين زنبقة
للفتاة التي انتظرته
ويحمل عني فتوة هذا النهار ]


صغير هو القلب... قلبي
كبير هو الحب... حبي
يسافر في الريح، يهبط
يفرط رمانةً، ثم يسقط
في تيه عينين لوزيتين
ويصعد من فجر غمَّازتين
وينسى طريق الرجوع إلى بيته واسمه

صغير هو القلب... قلبي
كبير هو الحب /..

هل كان الذي كنتهُ – هو؟
أم كان ذاك الذي لم أكنه –أنا؟

تقول: لماذا تحك الغيوم أعالي الشجر؟
أقول: لتلتصق الساق بالساق
تحت رذاذ المطر

تقول: لماذا تحملق بي قطة خائفة؟
أقول: لكي توقفني العاصفة

تقول: لماذا يحنُّ الغريب إلى أمسه
أقول: ليعتمد الشعر فيه على نفسه

تقول: لماذا تصير السماء رمادية اللون
عند العشية؟
أقول: لأنك لم تسكبي الماء في المزهرية

تقول: لماذا تبالغ في السخرية؟
أقول: لكي تأكل الأغنية
قليلا من الخبز ما بين حين وحين

تقول: لماذا نحب، فنمشي على طرق خالية؟
أقول: لنقهر الموت كثيرا بموت أقل
وننجو من الهاوية

تقول: لماذا حلمت بأني رأيت سنونوة في يدي؟
أقول: لأنك في حاجة لأحد

تقول: لماذا تذكرني بغد لا أراه
معك؟
أقول: لأنك إحدى صفات الأبد

تقول: ستمضي إلى نفق الليل وحدك
بعدي
أقول: سأمضي إلى نفق الليل بعدك
وحدي

.. وأمشي ثقيلاً ثقيلاً، كأني على موعد
مع إحدى الخسارات. أمشي وبي شاعر
يستعد لراحته الأبدية في ليل لندن.
يا صاحبي في الطريق إلى الشام! لم نبلغ
الشام بعد، تمهّل تمهّل، ولا تجعل
الياسمينة ثكلى، ولا تمتحني، بمرثية:
كيف أحمل عبء القصيدة
عنك وعني؟

قصيدة من لا يحبون وصف الضباب
قصيدته
معطف الغيم فوق الكنيسة
معطفه
سر قلبين يلتجئان إلى بردى
سرّه
نخلة السومرية، أم الأناشيد
نخلته
ومفاتيح قرطبة في جنوب الضباب
مفاتيحه
لايذيل أشعاره باسمه
فالفتاة الصغيرة تعرفه
إن أحست بوخز الدبابيس
والملح في دمها.
هو، مثلي، يطارده قلبُهُ
وأنا، مثله، لا أُذيل باسمي الوصية
فالريح تعرف عنوان أهلي الجديد
على سفح هاوية في جنوب البعيد
وداعاً، صديقي، وداعاً ولّم على الشام /

لستُ فتياً لأحمل نفسي
على الكلمات، ولست فتياً
لأكمل هذي القصيدة /

أمشي مع الضاد في الليل –
تلك خصوصيتي اللغوية – أمشي
مع الليل في الضاد كهلاً يحثّ
حصاناً عجوزاً على الطيران إلى برج
إيفل. يا لغتي ساعديني على الاقتباس
لأحتضن الكون. في داخلي شُرفة لا
يمرّ بها أحدٌ للتحية. في خارجي عالم
لا يرد التحية. يا لغتي! هل أكون
أنا ما تكونين؟ أم أنت – يا لغتي –
ما أكون؟ ويا لغتي دربيني على
الاندماج الزفافي بين حروف الهجاء
وأعضاء جسمي – أكن سيدأ لا صدى.
دثّريني بصوفك يا لغتي، ساعديني
على الاختلاف لكي أبلغ الائتلاف. لديني
ألدك. أنا ابنك حينا، وحينا أبوك
وأمك. إن كنتِ كنتُ، وإن كنتُ
كنتِ. وسمّي الزمان الجديد بأسمائه
الأجنبية يا لغتي، واستضيفي الغريب
البعيد ونثرَ الحياة البسيط لينضج
شعري. فمن – إن نطقتُ بما ليس
شعراً – سيفهمني؟ من يكلمني
عن حنينٍ خفيِّ إلى زمن ضائع إن
نطقتُ بما ليس شعراً؟ ومن – إن
نطقت بما ليس شعراً – سيعرف
أرض الغريب؟












عرض البوم صور صعب انساك   رد مع اقتباس