عرض مشاركة واحدة
قديم 10-04-2010, 11:43 PM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فعال

البيانات
التسجيل: Apr 2009
العضوية: 596
المشاركات: 195
بمعدل : 0.04 يوميا
معدل التقييم:
نقاط التقييم: 10

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
العقل الراجح غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : المنتدى الــعـام
افتراضي أهي لعنة التفريط في الدولة الطاهرية قد حلت على شوافع اليمن؟!

أهي لعنة التفريط في الدولة الطاهرية قد حلت على شوافع اليمن؟!
أحمد الظرافي

كانت الدولة الطاهرية ( 858 - 933هـ / 1454 – 1526م) دولة أبية ماجدة، استطاعت مع أواخر القرن الخامس عشر ومطلع القرن السادس عشر الميلاديين بسط نفوذها السياسي ومد ألويتها على كل جزء في اليمن، من جيزان وصعدة شمالا إلى عدن وحضرموت جنوبا. ورفرفت راية السنة عالية في كل مكان فيه، وكان توحيد اليمن على هذا النحو حدثا بارزا، ولم يكن له مثيل في تاريخ اليمن في العهد الإسلامي إلا نادرا. وقد تم ذلك على يد السلطان الظافر صلاح الدين عامر بن عبد الوهاب آل طاهر، الذي كان من أشهر ملوك هذه الدولة وأقواهم وأشدهم بأسا. إذ أنه منذ احتل الأحباش اليمن وخلفهم على حكمه الفرس. واليمنيون لم يحكموا أنفسهم إلا لماما، ولم يحكموا بلادهم كاملة إلا في حقب محدودة أو بمساعدة خارجية. وكانت هذه هي المرة الأولى التي يحكم اليمنيون فيها أنفسهم.

أهمية الدولة الطاهرية
وقد جاءت ولادة هذه الدولة المجيدة سنة 858هـ في أحرج وأدق مرحلة يمر بها اليمن بشكل خاص والعالم الإسلامي بشكل عام، وفي وقت كان فيه أهل السنة في اليمن بأمس الحاجة للوحدة وجمع الشمل ورص الصفوف وتوحيد الجهود، تحت راية واحدة للوقوف في وجه الخطر الداهم والمحدق، المتمثل في الخطر البرتغالي الصليبي وذلك عشية وصول طلائع أساطيلهم الغازية المتطورة والمزودة بالأسلحة النارية إلى المحيط الهندي، فكانت ولادة هذه الدولة بمثابة فأل حسن لأهل السنة في اليمن حتى لكأنها قد قامت في هذا الوقت الحرج لتتولى مهمة الدفاع عن أهل السنة في اليمن ( الشوافع ) ولتكون الحصن الحصين لهم أو بالأحرى لتتولى قيادتهم ليدافعوا عن أنفسهم وعن دينهم وبلادهم وأعراضهم وأموالهم وحتى يسدوا هذا الثغر، فلا يؤتى المسلمون من قبلهم، لا سيما مع توفرهم على قائد شجاع أبي طموح فذ، ورجل دولة من الطراز الأول استطاع أن يوحد البلاد قاطبة تحت لوائه، وهو السلطان الظافر عامر بن عبد الوهاب، بعد أن تولى الملك سنة 894هـ، على إثر وفاة والده المنصور وامتد حكمه حوالي تسعة وعشرون عاما." وكان على جانب عظيم من الدين والتقوى والمشي في طاعة الله تعالى لا تعلم له صبوة وكان ملازما للطهارة والتلاوة والأذكار ولا يفتر عن ذلك آناء الليل وأطراف النهار كثير الصدقات وفعل المبرات".
وقد خاض حروبا طاحنة ضد مناوئيه في مختلف أنحاء اليمن وألحق بهم هزائم ساحقة. وكان الأئمة الزيديون المتمركزون في صنعاء وفي عاصمتهم الروحية صعدة ألد أعداء الدولة الطاهرية، ولكن عامر بن عبد الوهاب تمكن من سحق جيشهم، وقهرهم جميعا وأجبرهم على الدخول تحت طاعته.

انهيار الحلم
ولكن المؤسف أن هذه الدولة الماجدة سقطت وهي في قمة عنفوانها، فقد تكالبت على الدولة الطاهرية جيوش وأساطيل ثلاث إمبراطوريات في وقت واحد تقريبا، أساطيل البرتغاليين، وأساطيل المماليك، وأساطيل العثمانيين. والأدهى أنهم فاجئوها بأسلحة جديدة لم تكن تعرف عنها شيئا وهي الأسلحة النارية التي حصدت جيوشها حصدا عندما واجهتهم في العراء بالسيوف والسهام.
ولكن موقف مراكز القوى المحلية في الداخل، كان مؤسفا وفاضحا ومخزيا وسلبيا بشكل عام، الأمر الذي ترتب عليه التعجيل في أفول نجم هذه الدولة. ذلك أن أهل السنة في اليمن ( الشوافع ) لم يحافظوا على هذه الدولة الفتية، وبدلا من أن يقفوا بجانبها ويشدوا أزرها في هذا الظرف الحالك، ويحتطبوا في حبالها التي هي حبالهم، راحوا يحتطبون في حبال غيرهم، ويحفرون بأيديهم في أساس بيتهم الكبير، فكانت النتيجة هي انهيار هذا البيت عليهم جميعا حكاما ومحكومين، أوفياء وانتهازيين.
فعشية وصول الأسطول المملوكي إلى جزيرة كمران في البحر الأحمر في طريقه إلى الهند
بدعوى مطاردة البرتغاليين في عام 1515م، وبعد أن جاءت الأخبار بالسلاح الجديد الذي كان يتسلح به المماليك وهو المدافع والأسلحة النارية التي لم تكن قد عرفت بعد في اليمن شعرت العناصر الساخطة أو الطامعة أو الطموحة المتمثلة في بعض الأمراء المحليين وولاة المناطق والثغور الساحلية وبعض مراكز القوى الأخرى، في بعض مناطق تهامة واليمن الأسفل، شعروا بالتفوق الهائل لقوات المماليك الشركس، مقابل قوات السلطان عامر بن عبد الوهاب. فأسرعوا بنزع يد الطاعة والانضمام إلى القوة المملوكية الغازية.
وقد بدأ التواطؤ والتأمر مع أول دخول الأسطول المملوكي للمياه البحرية اليمنية على يد شريف جيزان، الذي كان تحت السيادة الاسمية للطاهريين. ثم بعد وصول أسطول المماليك إلى جزيرة كمران وانتشار أنباء الخلاف بينهم وبين السلطان عامر بن عبد الوهاب، أخذت وفود أمراء المناطق الساحلية تتقاطر على القائد حسين الكردي، للتحريض على سلطانهم الذي يفترض أنهم يدينون له بالطاعة، ويتطوعون لتقديم خدماتهم في حالة نزول قوات المماليك إلى البر للهجوم عليه. من أمير اللحية، إلى أهالي الزيدية، إلى أمير بيت الفقيه، وصولا إلى أمير لحج وغيرهم.

رسالة الإمام شرف الدين
وكان هناك الإمام شرف الدين في ظفير حجة الذي كان قد أعلن عن إمامته سنة 912هـ، دون أن يجد من يقف إلى جانبه، وكان هو الوحيد المتبقي من الأئمة الزيديين، لأن السلطان عامر بن عبد الوهاب كان قد قهرهم، وقلم أظافرهم، وقصقص أجنحتهم، هم وقبائل تلك المنطقة وأجبرهم على الدخول تحت طاعته وهم صاغرون.
ولم يكن الإمام شرف الدين حينذاك يسيطر إلا على مساحة لا تكاد تذكر من بلاد حجة. واستمرت قبائل تلك المنطقة لفترة طويلة مترددة أو محجمة عن مبايعته خوفا من سطوة وقوة السلطان عامر بن عبد الوهاب.. ولم يكن الإمام شرف الدين يستطع الوصول إلى مدينة شبام المجاورة لأنها كانت معقلا لقوات السلطان الطاهري. فما بالك بالوصول إلى صنعاء !! إلا أن الأئمة الزيديين إلى جانب تطرفهم المذهبي، وارتكازهم على النسب العنصري، وإدعاء حق أهل البيت الفاطمي في الخلافة، تميزوا بقدرتهم على التحريض، وبث الدعاية وتضخيم الأمور لأقصى حد ومن ثم إظهار أنفسهم بأكبر كثيرا من حجمهم الطبيعي ( كالقط يحكي انتفاخا صورة الأسد ).
ولما غزا المماليك اليمن تنفس الإمام شرف الدين الصعداء وأيقن أن فرصته قد جاءت لبعث الدولة الزيدية من جديد، على حساب السنة التي كان يرى أتباعها كفار تأويل، وليسوا بشيء، وعلى ذلك بدأ نشاطه في العمل ضد السلطان عامر بن عبد الوهاب والطاهريين، الذين اعتبرهم أعداء جائرين لله، فراح يبث الأراجيف ويحيك المؤامرات لإسقاط هذه الدولة الفتية، ومن ثم إسقاط راية السنة.. وأسرع بمكاتبة المماليك الشراكسة - الذين سماهم الغزاة الكرماء - وذلك لتحريضهم ضد السلطان عامر بن عبد الوهاب وإغرائهم بالمال لكي يعاونوه ويمدوه بالمدد من العتاد والجنود لإسقاطه، وأدعى كذبا وبهتانا أن السلطان عامر حليف للأفرنج ( البرتغاليين) حتى يثير المماليك ضده، ودغدغ عواطفهم بانتسابه إلى أهل البيت. في حين أن المؤرخ الروسي نيقولاي أيفانوف في كتابه الموسوم بـ ( الفتح العثماني للأقطار العربية )، لايستبعد أن يكون الإمام شرف الدين حليفا للصفويين الشيعة وللبرتغاليين الصليبيين وفي هذا الصدد – ونتيجة لعدم تعرض هذه الجزئية للبحث - يفترض هذا المؤرخ الروسي - أن الشاه إسماعيل الصفوي إلى جانب البرتغاليين كانوا يعتبرون الزيديين حلفاء لهم " ثم يقول: والبرتغاليون ، منذ عام 1513 توقفوا عن اعتبار الزيديين أعداءً .
ومما جاء في رسالة الإمام للقائد المملوكي حسين الكردي" ولقد استرجحنا إرسال هذه الرسالة… لإنهاء التهنئة، بما فتح الله على يدكم من الفتوح الهنيئة، والحث لكم على استدراك هذه البقية من عترة نبيكم الزاهرة الزكية، وبذل المعاونة على استخلاص سائر البلاد من يد هذا الطاغي ( يعني عامر بن عبد الوهاب آل طاهر ) وأعوانه وأنصاره..".

الغزو المملوكي لليمن
وهكذا وبعد أن ضمنت قوات المماليك ولاء العديد من أمراء المناطق الساحلية في تهامة تقدموا إلى البر وبدؤوا هجومهم على معاقل الطاهريين، وخاصة مدينة زبيد العاصمة الثقافية والعلمية لليمن مستخدمين الأسلحة النارية الثي أثارت الرعب في صفوف قوات الطاهريين. وكان الأمراء المحليون وأتباعهم هم طلائع تلك القوات يرشدونها إلى أماكن اختباء وتواجد قوات السلطان عامر بن عبد الوهاب ويدلونها على عوراتها ومكامن الضعف فيها.
ولكن رغم ذلك ورغم عدم امتلاك جيش السلطان عامر بن عبد الوهاب للسلاح الناري، مقارنة بجيش المماليك، واندهاش الناس لفعل الأسلحة النارية، فلم يستسلم السلطان عامر للغزاة الذين راحوا يعيثون فسادا في مناطق تهامة التي خضعت لهم وخاصة مدينة زبيد. بل ظل يقاوم واستمر الكر والفر سنوات عديدة، أضطر الطاهريون خلالها مواجهة الأسلحة النارية بالسهام والسيوف والصدور العارية، وكان السلطان عامر بن عبد الوهاب وأخيه الشيخ عبد الملك في مقدمة الصفوف. وأصيب السلطان عامر في يده أثناء هجومه المعاكس على مدينة زبيد.
وقد حاول السلطان عامر أكثر من مرة استدراج قوات المماليك المدججة بالسلاح الناري إلى الجبال للتخفيف من مفعول هذا السلاح الخطير. ولكن دون جدوى، فالمؤامرات والدسائس استمرت تعمل عملها، وقد وصلت هذه المرة إلى جيش السلطان نفسه، بينما كان يعد العدة للدفاع عن تعز فاضطرته المؤامرة إلى الانسحاب إلى إب.

مقتل البطل وتداعياته
وتواصل الكر والفر بين الطرفين حتى كانت المعركة الأخيرة على مشارف صنعاء، وكانت معركة ضارية أظهر السلطان عامر وأخيه الشيخ عبد الملك خلالها من ضروب البسالة ما لا يخطر على البال، ولم يكن قد بقي حول السلطان سوى القليل من جيشه، في الوقت الذي كانت فيه قوة المماليك الشركس قد زادت نظرا لانضمام الإمام شرف الدين وبعض القبائل الزيديه إليهم. وانتهت المعركة بمقتل هذين القائدين البطلين..
ونحن هنا لا نعفي الطاهريين والسلطان الظافر عامر بن عبد الوهاب من المسئولية. ولكن الخطأ كان أمرا واردا خاصة في مثل الظروف التي تولى فيها حكم اليمن وكثرة المؤامرات التي تعرض لها من أقرب المقربين إليه ثم إنه منذ متى كان الحكام معصومين من الخطأ؟
وعندما يموت البطل تنتهي المسرحية، فبمقتل السلطان عامر تمزقت الدولة الطاهرية وتفرق من بقى من آل طاهر في عدة بقاع في اليمن، وبذلك انتهت دولة بني طاهر، ومدتهم نحو 63 سنة..ومعها انتهت آخر الدول السنية التي كانت تتولى الحكم في اليمن.
أي نعم حاول الطاهريون إنقاذ ما يمكن إنقاذه من مملكتهم إلا أن الفراغ الكبير الذي أحدثه مقتل السلطان عامر لم يستطع أن يسده أحد ممن جاءوا خلفه، بل إن هؤلاء اختلفوا فيما بينهم. وكان أبرزهم عامر بن داود بن طاهر في بلاد لحج وعدن وقد قتله الأتراك عند وصولهم إلى عدن سنة 945هـ.
أما الأمراء المحليون الذين باعوا سلطانهم وأسلموا دولتهم للماليك مقابل استقلال وهمي كانوا يمنون أنفسهم به، فقد تواروا عن مسرح الأحداث، بعد أن عاث المماليك الشركس الأجلاف فسادا وسلبا ونهبا في بلادهم ، وخسر السنة كل شيء، خسروا الدولة، وخسروا أنفسهم .. ولم يكن بينهم من يسد الفراغ الذي خلفه مقتل السلطان عامر بن عبد الوهاب ولم يكن هناك من يسد هذا الفراغ سوى الخصم اللدود وهو الإمام شرف الدين..

صعود نجم الأئمة الزيديين
"ولقد قرت عينا شرف الدين والبلاد تحرق وتنهب والأموال تصادر والأحرار يكبلون بالحديد ويداسون بأقدام الغزاة ويموتون خنقا وشنقا".
وبعد فترة قليلة من مقتل السلطان عامر بن عبد الوهاب ودخول المماليك صنعاء بلغتهم أخبار سقوط دولتهم في مصر على يد السلطان سليم الأول العثماني. لذلك أسرعوا بالعودة إلى تهامة وتخطفتهم القبائل اليمنية في كل مكان مروا فيها..وتركوا الجمل بما حمل للزيديين بقيادة الإمام شرف الدين ..الذي دخل صنعاء، ودانت له كثير من البلاد. فشن حربا لا هوادة فيها ضد أهل السنة ( الشوافع )استمرت على مدى القرن السادس عشر بكامله "فجرت أشد هجمات الزيديين ضد عامر بن داود وأمراء زبيد المماليك وفيما بعد ضد الحكام العثمانيين في فترات تفاقم التناقضات السنية الزيدية". ويذكر الدكتور سيد مصطفى سالم في كتابه ( الفتح العثماني لليمن ) " أن ثمة تغيرا كبيرا قد حدث في خريطة اليمن السياسية في الفترة الممتدة من 1517 إلى 1538 ، ففي هذه الفترة نجح الزيدون لأول مرة في تاريخهم أن يمدوا" نفوذهم إلى جهات اليمن المختلفة حتى أسوار " عدن " جنوبا وحتى أسوار " زبيد " غربا
وهكذا ذهبت البلاد غنيمة باردة للزيديين الذين كانوا قبل ذلك محاصرين في قلاعهم وكهوفهم الجبلية في أقصى شمال الشمال كأقلية لا تكاد تذكر، وظلوا على مدى خمسمائة عام يحلمون مجرد حلم بالوصول إلى صنعاء، عاصمة اليمن التاريخية، ولم يكونوا يصلون إليها إلا نادرا.
ومنذ ذلك الوقت صعد نجم الزيديين وبدأ تاريخهم الحقيقي الأسود في اليمن، لفراغ المسرح السياسي من سائر الدويلات التي كانت في صراع مع الأئمة، وصارت اليمن ساحة مفتوحة لنزوات هؤلاء الأئمة ولحروبهم الدامية فيما بينهم، التي أهلكت الحرث والنسل وجلبت المجاعات، وأحرقتهم وأحرقت اليمن معهم، وخاصة بعد جلاء الأتراك (1045هـ / 1635) ومع حكم الأئمة ظهرت أسطورة حاشد وبكيل، في الوقت الذي خفت فيه نجم الشوافع وقبائل وسط وجنوب اليمن..واستمر في الخفوت حتى غاب نهائيا وحل عليهم الظلام الدامس. ومنذ ذلك الوقت والانحدار مستمر ..حتى وصلوا إلى ما هم عليه..اليوم.
فهل يا ترى هي لعنة التآمر على الدولة الطاهرية قد حلت على شوافع اليمن؟












عرض البوم صور العقل الراجح