عرض مشاركة واحدة
قديم 27-08-2012, 10:31 PM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فعال
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية عابر طريق

البيانات
التسجيل: Aug 2012
العضوية: 4846
الدولة: Hermitage
المشاركات: 174
بمعدل : 0.04 يوميا
معدل التقييم:
نقاط التقييم: 10

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
عابر طريق غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عابر طريق المنتدى : المنتدى الــعـام
افتراضي

العقـل1.



مدخل (من الدلالات إلى الإشكالية) من أعقد الإشكاليات التي تعالجها الفلسفة باعتبارها نتاجا عقليا تحديد مفهوم العقل. وسنحاول ضمن هذا المدخل أن نقوم بمقاربة أولية للسؤال ما هو العقل ؟ من خلال مختلف الدلالات. يتأرجح مفهوم العقل في دلالته المتداولة بين عدة معان، بعضها يفيد التفكير السليم والحكم الصائب، وأساس الاختلاف بين الإنسان والحيوان؛ كما يحمل العقل معنى معياريا أخلاقيا، يفيد التعقل والابتعاد عن الشهوات البهيمية. لذا يصعب الارتكاز على التمثل الشائع لأن دلالاته يغلب عليها التعميم والتداخل بين مجالات متعددة : أنطولوجية وإبستيمية وقيمية أخلاقية. ومن ثمة سنحاول الوقوف عند التمثل اللغوي لعله يساهم في حل الإشكال. إن العقل في الاصطلاح العربي مشتق من الفعل الثلاثي عقل، ويقال "عقل البعير" مثلا، إذا جمع قوائمها. هكذا سمي العقل عقلا لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك. ومن هذا يتضح أن العقل في التمثل المعجمي العربي يحمل معنى معياريا أخلاقيا باعتباره وازعا أخلاقيا. أما في التمثل المعجمي الغربي فإننا نجد مرادفات عدة لكلمة عقل وتكاد كلها تعطي لمفهوم العقل بعدا إبستيميا محضا فالكلمة اليونانية لوغوس Logos تحمل من بين معانيها العلاقة الرياضية، والدراسة .. والكلمة اللاتينية Ratio تعني التفكير والحساب .. وكلمة Raison بالفرنسية تعني النسبة الرياضية بين عددين وتعني ملكة التفكير .. إن التمثل الفلسفي لا يبتعد كثيرا عن التمثل المعجمي لمفهوم العقل. ففلاسفة الإسلام مثلا يميزون بين العقل الموهوب والعقل المكسوب؛ أو بتعبير آخر، بين العقل بالقوة والعقل بالفعل. فالأول يفيد الاستعداد الفطري لتحصيل المعرفة والثاني يفيد المعرفة المكتسبة.. وفي الفلسفة الحديثة نجد لالاند Lalande يميز بين معنيين للعقل : العقل المكون (بكسر الواو) والعقل المكون (بفتح الواو). أما الأول فالمقصود به الفكر الذاتي أو النشاط الذهني الذي يقوم به كل مفكر ؛ وأما الثاني فهو مجموع المعارف السائدة في عصر من العصور. إن الدلالات المختلفة للعقل تظهره تارة في صورة أنطولوجية، وتارة في صورة إبستيمية، وتارة أخرى في صورة قيمية أخلاقية، الأمر الذي يساعدنا على صياغة الإشكالية الفلسفية لهذا الدرس، والتي تمكن ترجمتها من خلال التساؤلات التالية: · ما هي طبيعة العقل ؟ وما هي وظائفه ؟ وهي حدوده؟ · هل العقل انفتاح وحرية ؟ أم أنه انغلاق دوغمائي ؟ · ما هي الحدود الفاصلة بين العقل واللاعقل ؟ 2. طبيعة العقل ووظائفه تأسست الفلسفة اليونانية كنتاج "للوغوس"(العقل) في مقابل "الميتوس" (الأسطورة) المعتمد على الخيال. لكن ما لبث مفهوم العقل أن ظهر في الفلسفة اليونانية في صورة عقل مطلق يكتسي أبعادا أنطولوجية متجاوزا بذلك العقل الإنساني. ويظهر العقل عند هرقليطس – مثلا – في صورة العقل الكوني (اللوغوس) المسؤول عن صيرورة العالم. فالعقل الكوني محايث للعالم ومنظم له من الداخل، فهو أشبه بالنفس بالنسبة للجسد. وكان أناكساغورس من أهم القائلين بفكرة "النوس" NOUS أو "العقل الكلي" ؛ حيث رأى هذا الفيلسوف أن الكون كان – قبل بداية تشكله – عبارة عن خليط فوضوي chaos و"العقل هو الذي نظم كل شيء، وأنه العلة لجميع الأشياء". فالعقل الكلي – إذن – هو الذي أدى إلى تشكل العالم بصورته المنظمة والمسؤول عن حركته.مع العلم أن أناكساغورس يرى أن العقل الكلي مفارق للعلم غير مندمج فيه. خلافا لهذا التصور الفلسفي الذي أنتجه الفكر اليوناني سيتمظهر العقل في الفلسفة الحديثة في صورته الإنسانية باعتباره أداة للمعرفة. حيث كان ديكارت (الأب الروحي للفلسفة الحديثة) رائد الاتجاه العقلاني يعتبر العقل فطرة في الإنسان، وأعدل قسمة بين الناس، وأهم ما يفصل الإنسان عن الحيوان لأنه جوهر الفكر ومبدأه. بالعقل وحده يستطيع الإنسان أن يبني معرفة مطلقة حول النفس والطبيعة والله دون أي حاجة إلى الاعتماد على الحواس، لأن العقل نور فطري يحتوي بطبيعته على أفكار فطرية تعتبر بدورها أوليات بديهية للمعرفة اللاحقة. فالمعرفة التي تبنى على أوليات عقلية يقينية لابد أن تكون بدورها يقينية. أما المعرفة المستمدة من الحواس فإنها تحتمل الشك لأن الحواس تخدع. لقد أدى الطرح الديكارتي حول مفهوم العقل إلى مناقشة فلسفية حادة ولقي معارضة شديدة، خاصة من لدن خصوم الاتجاه العقلاني. فقد اعتبر دعاة المذهب التجريبي العقل صفحة بيضاء خالية من أفكار فطرية. يقول جون لوك : "لو كان الناس يولدون وفي عقولهم أفكار فطرية لتساووا في المعرفة". فالتجربة الحسية – إذن – هي أساس المعرفة وليس العقل. يقول لوك : "لو سألت الإنسان متى بدأ يعرف لأجابك متى بدأ يحس". ومن ثمة ستكون محتويات العقل غير متناسبة بين الناس، حيث ستختلف درجة عقلانيتهم، ومعرفتهم، بحسب اختلاف تجاربهم الحسية. ومن هنا يظهر الدور الثانوي الذي يلعبه العقل – في منظور المذهب التجريبي – لأنه مجرد مستودع سلبي للمعرفة. إن الصراع الفلسفي بين الاتجاهين العقلاني والتجريبي هو الذي دفع بكانط إلى نهج موقف فلسفي توفيقي نقدي، يوفق فيه بين المذهبين وينتقد فيه دور الحواس والعقل ويبين حدودها وحدود العقل الإبستيمية. حيث يرى كانط أن العقل ملكة في المعرفة تتكون من ثلاث قدرات هي : الحساسية، الفهم، العقل الخالص. فالحساسية هي المسؤولة عن تنظيم الانطباعات الحسية المتفرقة التي تقدمها التجربة الحسية على شكل مدركات حسية. وتؤدي الحساسية وظيفتها بواسطة مقولتين (أو صورتين) قبليتين هما مقولتا الزمان والمكان. والفهم هو الذي يحول المدركات (أو الحدوس) الحسية إلى معرفة وذلك بواسطة مقولات قبلية تنصب فيها معطيات التجربة الحسية فتتحول إلى معرفة. ومن أشهر تلك المقولات، مقولة السببية. انطلاقا من هذا التصور يتضح أن المعرفة-في اعتقاد كانط- عملية معقدة يساهم فيها كل من العقل والحواس. يقول كانط : "الحدوس الحسية بدون مفاهيم تظل عمياء، والمفاهيم بدون حدوس حسية تظل جوفاء." هكذا يبدو العقل، عند كانط، في شكل بناء من المقولات أو الصور القبلية التي ستكون عديمة الفائدة لولا معطيات التجربة الحسية. فالعقل هو الذي يضفي المعقولية على العالم وينظمه ويحوله إلى معرفة. لكن لا يجب أن نفهم من ذلك أن للعقل قدرة مطلقة في المعرفة، لأن كانط يميز في الأشياء بين الظاهر phénomène والنومين Noumène أو "الشيء في ذاته". إننا لا نعرف من الأشياء إلا الظواهر أما "النومينات" فذلك ما نجهله. إذا كان الأمر كذلك بالنسبة للأشياء المادية فكيف الحال بالنسبة للأمور الميتافزيقيةْ ؟!! مبدئيا يعتبر كانط الإنسان "حيوانا ميتافزيقيا"، لأن العقل الخالص يحتوي قبليا على مبادئ ثلاثة هي طبيعة الله، خلود النفس، بداية العالم في الزمان، ومن ثمة لا نستطيع أن نمنع الإنسان من التفكير في هذه الأمور، علما أن كل ما يقع فيه العقل حين يساجل في الماورائيات هي أغاليط ونقائض. فالمجالان اللذان يستطيع العقل أن يصل فيهما إلى نتائج هما مجالا العلم والأخلاق. ويعتقد كانط أن العلم لم يتقدم إلا حينما ابتعد عن الميتافزيقا. 3. العقل المنغلق والعقل المنفتح إن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو : هل يمكن اعتبار العقل انغلاقا دوغمائيا أم انفتاحا إبستيميا ؟ لقد ارتبطت الفلسفة الحديثة بنزعات حاولت التقليل من دوغمائية العقل، لكن سرعان ما تبث أن الاختلاف الظاهري بين كثير من الفلاسفة هو في واقع الأمر اتفاق، لأنهم يمكن أن يصنفوا في خانة انغلاق العقل خصوصا منهم من يعترفون بوجود مبادئ، أو أفكار، أو مقولات قبلية في العقل. هكذا يمكن إلغاء التباعد الفلسفي بين فلاسفة كأرسطو وديكارت وكانط لكونهم يعتقدون أن العقل يفكر وفق مبادئ ضرورية لكل تفكير سليم. وتلك المبادئ هي : مبدأ الهوية، مبدأ عدم التناقض، مبدأ الثالث المرفوع، مبدأ السببية. فمبدأ الهوية (أو الذاتية) يفيد أن الشيء لا يمثل إلا ذاته، وإذا أردنا أن نتعامل مع موضوع ما فلنتعامل معه بالذات وليس مثيلا له، لأن كل موضوع لا يطابق إلا نفسه. ويرمز إلى هذا المبدأ هكذا : ا هي ا. أما مبدأ عدم التناقض فيفيد أن الشيء الواحد لا تجتمع فيه صفتان متناقضتان في آن واحد فالعدد سبعة – مثلا – إما أن يكون عددا فرديا أو عددا زوجيا. ويرمز إلى هذا المبدأ هكذا : ا ليست هي لا ا ، ويمكن أن نرمز إليه، كذلك، بالطريقة التالية : لا يمكن ل ا أن تكون ب ولا ب في ذات الوقت.ومبدأ الثالث المرفوع ويسمى كذلك بمبدأ الوسط الممتنع لأنه يرفض وجود قيمة وسطى بين قيمتي الصدق والكذب،وهو مبدأ مرتبط بمبدأ عدم التناقض. فالقضية : "العدد سبعة عدد فردي " إما أن تكون صادقة وفي هذه الحالة يكون ضدها كاذبا. والعكس بالعكس؛ إلا أنها لا يمكن أن تحتمل قيمة تقع بين الصدق والكذب. بعد الانتقادات التي تعرض لها مبدأ السببية الأرسطي الذي ينوع السببية إلى أربعة أنواع من الأسباب (سبب مادي، وثان فاعل، وثالث صوري، ورابع غائي) ؛ سيقول الفيلسوف ليبنتز Leibniz بمبدأ السبب الكافي الذي يفيد أنه لا يمكن لحادثة أن تقع أو لحكم أن يكون صادقا دون سبب كاف. ظل العقل البشري يشتغل وفق هذه المبادئ، وبصورة دوغمائية يقصي حركية الأشياء وتناقضاتها وتحولاتها الممكنة إلى أن ظهر هيغل Hegel ليقوم بثورة فلسفية منطلقا من مبدأ أساسي هو : "الواقعي عقلي، والعقلي واقعي". ويفيد ذلك أن نفس القوانين الجدلية تحكم الواقع والفكر معا، وأن الكل يعرف الصيرورة. فمفهوم الصيرورة ثورة ضد الثبات الذي تؤمن به العقلية المنغلقة، كما أن انفتاح العقل سيظهر عند هيغل في إقراره بإيجابية التناقض لأن صراع المتناقضات هو أساس التغير. فكل شيء في نظر هيغل يحتوي على الوجود والعدم، والصراع بينهما هو الدافع إلى التحول. وسيزداد انفتاح العقل مع التحولات التي عرفها العلم ابتداء من القرن التاسع عشر (19) : فمع بروز الرياضيات المعاصرة ثم القضاء على مفهوم البداهة كما تصورتها العقلية الكلاسيكية (ديكارت مثلا)، ومع نظرية النسبية ثبت بأن الزمان والمكان ليسا مطلقين لأنهما يتغيران بتغير المنظومات المرجعية. كما ستأتي الفيزياء الذرية لتفسح المجال للاحتمال بعد أن كانت العقلية الكلاسيكية لا تؤمن إلا بمبدأ الحتمية. إن هذه التحولات العلمية – إذن – ستعمل على تصدع العقلية الكلاسيكية، وستعمل بالتالي عل خلخلة اليقين العقلي في صورته الدوغمائية، وستعمل أخيرا على خلق عقلية مرنة ومنفتحة على تمثلات كانت تبدو في القديم مستحيلة ومستبعدة من إطار العقل. إن هذا التقابل بين العقل المنغلق والعقل المنفتح، هو الذي فسح أمام كثير من الفلاسفة سؤالا آخر هو : هل هناك تقابل بين العقل واللاعقل؟4. العقل واللاعقل إذا كان الإنسان يعرف في الغالب بأنه "حيوان عاقل"، إلا أن بعض سلوكاته وانفعالاته لا توحي بالضرورة أن العقل يمتاز عنده بصفة الإطلاقية ؛ فقد يطغى طابعه الوجداني في بعض الحالات على طبعه العقلي. ولعل هذا ما قد يفسر الصراع الفكري الذي عرفته الفلسفة حول طبيعة الإنسان. فقد حاول ديكارت منذ القرن السابع عشر (17) أن يبرز أن الخصوصية المميزة الإنسان هي العقل. ومع الانتصارات التي حققها العقل في المجال العلمي سيرفع فلاسفة الأنوار شعار العقل وسيعملون جاهدين على تعميمه في السياسة والأخلاق والحياة الاجتماعية، ومن ثمة سينادي هذا الصنف من المفكرين بضرورة خضوع الحياة الوجدانية للإنسان إلى العقل. وفي مقابل ذلك، سيظهر تيار فكري ينادي باللاعقل باعتبار الإنسان كائنا عاطفيا ووجدانيا بالدرجة الأولى كالسوريالية Surréalisme والرومانسية والوجودية فيقول كيركجارد Kierkegaard مثلا (معارضا ديكارت) "أنا أفكر إذن أنا غير موجود". ويفيد ذلك أن الحياة ممارسة فردية وجدانية وليست عقلية، فكلما زاد تفكير الإنسان كلما ابتعد عن كينونته. إن هذا الصراع الفكري هو الذي أدى إلى بروز تيار فلسفي معاصر يدعو إلى التمسك بالعقلانية مع الانفتاح على أمور تتجاوز العقل ؛ ويعد إدغار موران E. Morin من أكبر دعاة الانفتاح على اللاعقل وبالتالي ظهور ما يسميه بالعقل المعقد (أو المركب) يقول إدغار موران : " إن (…) الانتقادات الموجهة إلى العقلانية لازالت قائمة. لكن نقدا جديدا، داخليا، ينبثق من قلب العقلنة ذاتها، حسب هذا النقد المعاصر يدان العقل فقط لا من حيث كونه مفرطا في العقلانية، بل يدان كذلك على أنه غير معقول. إن الأزمة الحديثة للعقلنة هي الكشف عن اللاعقل ضمن العقل." فهذا هربرت ماركوز H. Marcuse، يبينن كيف يتحول العقل إلى سلطة مفرطة في القمع.حيث يرى هذا الفيلسوف أن العقل يتحول إلى لاعقل إذا أقصى كل حس نقدي. فإذا كان المجتمع يعطي الأولوية للمردودية والإنتاجية، فإن بنية الإنسان الوجدانية تصبح مهددة، حيث يتقابل العقل مع "الإيروس" l’eros ، ويصبح العقل وسيلة لتبرير الهيمنة والاستغلال ويصبح الفرد أداة مستلبة في عملية الإنتاج ؛ فيضطر الإنسان إلى أن يتحايل على العقل ليلبي رغباته الوجدانية. إلا أن الفيلسوف الألماني كانط يتبنى رأيا مخالفا، فهو يحدد الطبيعة الإنسانية في وجودها العقلي، ويعتقد أن الكسل والجبن هما اللذان يبعدان الإنسان عن طبيعته العقلية، لأنهما عاملين يدفعان بالإنسان إلى قبول الحجر والوصاية. فالعقل يرادف الحرية والمسؤولية والكرامة، وحينما يقبل الإنسان الوصاية، فإنه تنازل عن كل ذلك في سبيل اللاعقل. لكن ألا يمكن أن نقول بأن العكس يمكن أن يحدث فيتحول اللاعقل إلى العقل؟إن ذلك ما يؤكده نيتشه، لأن هذا الفيلسوف يعتقد أن المعرفة العقلية هي مجموعة من الأخطاء ثبتت منفعتها في معركة الصراع من أجل البقاء. فقد ظلت أخلاق العبيد (الضعفاء) – مثلا – مهيمنة على العقول باعتبارها أخلاقا سامية ونبيلة وهي في الواقع ليست كذلك. كما بين فرويد أن اللاشعور هو الذي يتحكم في سلوكاتنا العقلية. ومن ثمة تصبح حياتنا الشعورية (أو العقلية) مكرسة لتلبية الرغبات المكبوتة في اللاشعور. بل إن سلوكاتنا اللاعقلية كالحلم والمرض النفسي – هي في الحقيقة- سلوكات عقلية، لأننا يمكن أن نكتشف ضمنها عن سيرورات منطقية تقودنا نحو فهم أسباب السلوك النفسي. وفي نفس السياق – تقريبا – يقودنا غرانجيه Granger لأنه يعتقد أن الهوى لا يتقابل مع العقل إلا حينما يبدو كفقدان للسيطرة والتحكم في الذات. ومع ذلك فإن لاعقلانية الهوى لا تعني عدم التماسك، فالأهواء منطقية ومعقولة، لأن الذات تمارس في إطارها تفكيرا ذكيا ومتماسكا موجها لتسخير أهداف انفعالية. بهذه الصورة – إذن – تسقط الحواجز الفاصلة بين العقل واللاعقل، فالعقل قد يتحول إلى لاعقل والعكس صحيح. هكذا يمكن أن نكشف داخل الإبداعات التي تعزى غالبا إلى الخيال، والعاطفة، والوجدان، تماسكا منطقيا وتفسيرات عقلية مقبولة. فالصراع الفلسفي بين العقل واللاعقل لا يجد مبرراته إلا في الاستعمالات السيئة للعقل أو في الميل المفرط نحو اللاعقل ؛ الأمر الذي نلمسه في نزعات فكرية كالصوفية، والرومانسية، والوجودية، والسوريالية… ومن ثمة لابد من النظر إلى الإنسان على أنه وحدة متكاملة مؤلفة من العقل واللاعقل. وكتخريج عام لهذا الدرس يتبين أن مفهوم العقل عرف، في سيرورته، استعمالات مختلفة أدت إلى أن تنطلي عليه أوصاف متنوعة تختلف باختلاف الحقب التاريخية التي مورس فيها التفكير العقلي، وبالتالي الصور التي مورس بها. هكذا انتقل مفهوم العقل حسب طبيعته ووظائفه، من عقل أنطولوجي مطلق إلى عقل إنساني وقع الاختلاف حول وظيفته وحدوده الإبستيمية وبالتالي إلى عقل يؤمن بوجود مبادئ صورية فطرية يعمل وفقها، ويحاول من خلالها أن يفسر العالم. لكن ما لبث هذا التصور الدوغمائي أن أصبح متجاوزا، وتم الإقرار على انفتاح العقل، لتصبح أزمة الفلسفة الحديثة هي ضرورة الكشف عن اللاعقل ضمن العقل والعكس












عرض البوم صور عابر طريق   رد مع اقتباس