المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحياه في شبوة الوادي وشبوة الصحراء


أبـو شــهــاب
03-06-2009, 11:16 PM
مابين شبوة المدينة وشبوة الصحراء بون "شاسع" في العادات والتقاليد، والحياة، وفن التعامل، والسكن أيضاً، إذ أن البداوة بشكلٍ خاص أو بالأحرى أهل الرمال يتمتعون بمزايا أصيلة ومتوارثة منذ القدم إلى درجة يصعب على الحضري التأقلم معهم أو التماهي في حياتهم البريئة والسعيدة..
نعال غريبة من صنع أيديهم.. وملابس مطرزة بألوان مختلفة ينسجونها في خيامهم.. وحافظات ماء جلدية تعطيه طعماً رائعاً.. ومنازل من فروِ كنعاجٍ سمينة.. وطعام طازج يجعل الإنسان أطول عمراً وأكثر تحملاً لحر وقر الصحراء القاسية، وخالياً من الأمراض والعلل التي تصيب أهل الحضر خاصة.
الفرار من المدينة
تجاوزت مدينة عتق فاراً من تشظياتي باتجاه مديرية نصاب باحثاً عن واحة تنعش سعادتي.. لم تعد مدن الحجر تستهويني، ومابين مديرية مرخة ونصاب شدتني بضعة نخلات تحوم حولها « قطعان الماعز»، وتداعبها ذرات الرمال الممتدة حتى نهاية الأفق.. رميت بكل مايمت إلى المدينة من صلة وراء ظهري، وعشت مع البداوة البساطة والبراءة والكرم والتواضع والقصص الخرافية والحقيقية والبطولات والأمجاد القديمة والحب والسعادة والضحك والمرح والتفاؤل، وسقطت عني كل معاول الهموم والغموم.
عالم آخر
تتغير الطبيعة جذرياً في كل شيء.. عالمٌ آخر لايملك سوى المذياع ينقل إليه أخبار العالم.. يتبادل العجائز أخبار الصباح...
يأتي أحدهم ليسرد لهم نشرة الأخبار عن ظهر قلب... يذهبون لرعي أغنامهم وجمالهم على ظهورها على لاندكروزر أو شاصات كما يسمونها.. تجلس مع أحدهم ولون جسده يتحد بالرمال ثم ماتلبث أن تجده ممتطياً للرعي سيارة فارهة.. يحدثني أحدهم بأن السيارات سهلت عليهم عملية الرعي كثيراً، فالإبل الشاردة لاتكلفهم عناء البحث عنها، ويضيف بأن يد التطور بدأت تطرأ عليهم كالهواتف الخلوية مثلاً، لكن الكرم في الضيافة وقهوة البدوي لم تبرح خيمته منذ عهودٍ طويلة.
بيت الشعر
المسافات تنأى عني، والأقدام تكاد تغوص في قلب الرمال الناعمة، والخطوات بالكاد تنتزع، وعلى المدى نقاطٌ صغيرة كالوهم، وثغاء شياه يردده الصدى... كان الجهد قد بلغ مني مبلغه والجسد قطعة من ضمأ، ورويداً رويداً بدأ الأمل يتفتق كزهرة لوتس، إذ سالت تلك النقاط الواهية لتتحول بعين القرب إلى أكواخ من نوع آخر، وتوثب أحد الرعاة من البدو الرحل بشعره الطويل المظفور، وملامحه الصخرية العتيقة، وساقاه الطويلتان النحيلتان المكسوتان بالشعر المرتكز كالإبر الحادة، ثم خاطبني بكلام لم أفهم فحواه، ولكني أدركت بحاستي السادسة وإشاراته المنفعلة أنه يود أن يعرف من أي المضارب البدوية أنا، وإن كانت عيناه المحمرتان قد شربتا مدنيتي وتحضري، وأفهمته بأنني غريب تائه، فارتخت ملامحه مشرقة بأسنانه المبتسمة بالترحيب، وبخفة قادني إلى كوخ من شعر النعاج كسفينةٍ من حرير، ثم اختفى بعض الوقت ليعود بإناء من الحليب ذو الرغوة الوفيرة، ورشفته بإشتهاء ودهشة تلبستني من هذا الجمال البديع الذي لم أر مثله قط على مر حياتي.. كانت البيوت الأخرى تتناثر بتنظيم على قطعةٍ من رمل، وكانت النسوة متلفعات بثياب بدوية تكسوها السماكة والخشونة، وأطفال يتقاذفون بجمور الرمل وضحكاتهم تملأ الفضاء، وجمال تتبدى كهضاب صغيرة على مرمى البصر، وخيوط الشمس تتراقص بخفةٍ نارية على جباه الأماكن والأشخاص، وحاولت أن أدفع دفة الحديث لكن تتابع الأحرف المتطاردة أجبرتني على الصمت، وعلى استحياء خرجت أتملى هذا العالم الغريب.. كان الوشم على الوجه الصحراوي يكاد أن يرقى إلى لوحة عالمية إذ تدخل أيادي الرياح والعواصف في طمس ملامحه، وتناثرت علامات الاستفهام على حجرات ذاكرتي، فالتقيت الأخ عبدالله سيف عبدالله المحاضر بكلية التربية في مدينة عتق، والذي استقبلني بحفاوةٍ وترحاب قائلاً:
تعد مديرية مرخة من المديريات الفريدة والأصيلة التي يغلب عليها الطابع الرملي الجميل، حيث لم تستطع تلك المباني الاسمنتية اكتساحها، فالمنازلاالطينية هي السائدة لإحتوائها على التكييف الطبيعي الذي يُعدل الجو في كلا الفصلين «الشتاء والصيف»، طبعاً هذا بالنسبة لمدينة مرخة والهجر وواسط وخورة، أما بالنسبة للبدو الرُحل فإن الأمر يختلف تماماً ،حيث إن بيوت الشعر هي المرافقة لهم في حلهم وترحالهم، وبخفةٍ ترافق أهلها في رحالاتهم الباحثة عن الماء والمرعى، ولهذه الديار الرائعة مزايا تفتقر إليها البيوت الطينية، والاسمنتية، أهمها جودتها ورخص ثمنها، والفرو الناعم الذي لم تفسده المواد الكيميائية، ولايد الصناعات الحديثة، بالإضافة إلى فوائدها الصحية.
مكيفات طبيعية
وييف الاخ عبدالله وهو يشير بسبابته التي أرقب إشارتها:
في كل هذا المكان تنتشر بيوت الشعر المصنوعة من صوف النعاج، فغالباً ماينمو صوفها في فصل الصيف حيث درجة الحرارة المرتفعة، مما يضطر البدوي إلى قص شعرها الزائد عن الحاجة إتقاء الحر، ثم يتم حلجه يدوياً، وبعد ذلك يتم حياكته بمهارة عالية، وفي هذا العمل بالذات «الحياكة» قد يضطر الحائك إلى لعن الحلاج لتقصيره في فنه مما يفسد شغله، وبعد الحياكة يتم وصل ذلك الصوف ببعضه، وأحياناً قد يستخدم نوعاً من الطلاء أو أي مادة لتغيير ألوانه، وعلى العوارض الخشبية تركب هذه البيوت، ثم تفرش بنفس المادة الفرائية، وعندما يتساقط المطر يقوم البدوي بأخذ عصا غليظة، ومن الداخل يضرب على الصوف بقوة حتى تتماسك المسامات، فلايمكن لقطرة ماء أن تدخل، كما أن النوافذ المتقطعة من ذات الفراء يتم تشكيلها بأسلوب فني جميل، ويتوالد الدفء الحنون في الشتاء فلا يمكن لأي برودة قاسية أن تخترق تلك الحواجز النعجاتية، أما في فصل الصيف فإنه يتم رفع العوارض الصوفية التي تعكس أشعة الشمس، الملتهبة، فيدخل الهواء ملطفاً كل حر، مع العلم أن جميع اليدو الرحل لايعرفون الأدوات المستوردة، «فالتورة» التي يوضع فيها الخبز، وكذلك الأطباق، وأوعية المياه كلها مصنوعة من جلود حيواناتهم، حيث يتم طلاؤها بمادة الهرد والقرض الذي يجعل لونها أحمر، وبذلك فإن الأكل من تلك الأوعية أو الشرب منها صحي إلى درجة لايمكن تصورها، ولذلك فإن الإنسان البدوي هو وحده بلا فخر الذي يأكل من مايزرع، ويستخدم مايصنع، ولذلك تجده أطول عمراً لايعرف طبيباً أو أدوية، كما أن للأماكن التي يسكنها دوراً في قوته وصلابته وتحديه لقساوة الحياة، وطول أسفارها، واختتم حديثه بالقول:
هناك عادات وتقاليد تنبثق من صلب البداوة وتحتاج لدراسة مستفيضة، على الأقل لتحيط بتفاصيل حياتهم العجيبة والغريبة، وذكائهم الحاد وأمثالهم وأشعارهم وفكاهاتكم التي يحيون بها الليالي الطويلة المقمرة.
حياة عجيبة وغريبة
الأخ عبدالرحمن عوض مجور مدير عام مكتب الثقافة بمحافظة شبوة تحدث عن بيت الشعر قائلاً:
هناك العديد من المضارب الصحراوية مازالت تتوالد وتتناسل في هذه البيوت العجيبة، والبدو هم الوحيدون الذين يتقنون هذه الصنعة الرائعة المستخرجة من أجساد النعاج، ولك أن تتخيل أسراً طويلة عريضة تعيش في هذه البطون الحنونة، تماماً كالأجنة، وهناك اهتمام من قبلنا بتشجيع هؤلاء البدو على المحافظة على أصالتهم، وإن كانوا هم أكثر تمسكاً بها، ومع أن أغلب محافظة شبوة صحراوية فإن هذه الأكواخ تنتشر في أغلبها لسهولة نقلها وحملها، وتوفر موادها، مع العلم أنه يتم غسل ذلك الصوف المقصوص حتى يكون أكثر نقاءً ونظافة بموادٍ تضاف إلى الماء، ويستمر عمره مدة طويلة، واختتم حديثه بالقول:إننا نهتم اهتماماً كبيراً بالموروث الشعبي والمباني الطينية، ومباني الشعر، والصناعات اليدوية المتينة ابتداءً من المحراث والمجارف والفئوس، وأدوات الحياكة إلى غيرها من الصناعات الأخرى، ومحافظة شبوة هي الفريدة التي مازالت متمسكة بعاداتها التقليدية القديمة من قولبة الطين والهجلات المرافقة والمواويل والدان الشعبي والرقصات الساحلية والجبلية والصحراوية التي تتباين مع تضاريسها وتختلف في أسمائها وتعابيرها، ويبقى بيت الشعر هو البيت الوحيد الذي انتصر على المباني العملاقة الأخرى الحديدية التي تبعث في النفس الضجر والرتابة والملل، حيث تتجمع في بساطته كل المعاني السامية والكريمة، والأغاني والمقطوعات اللحنية الخالدة، والأشعار المرتجلة التي يعبر البدوي من خلالها كل ماتجيش بها نفسه التواقة إلى الفن الذي لايذبل ولايموت.
توشك رحلتي على الانتهاء... احتسي أقداح القهوة بشراهة واحتسي معها أقداح لبن الإبل.. أذهب معهم للصيد.. نعود بأرانب وقنافذ.. تسقط عباءة الليل.. يشتد البرد الصحراوي الجاف.. نشعل النار.. نطعمها الحطب الذي جمعناه.. نشوي ما اصطدناه.. يطل علينا من السماء هلال مستح.. تنداح من بيوت الشعر أصوات ربابة.. تهجم علي أنياب المدينة فأعود مرغماً إلى صخبها وضوضائها من جديد.


المصدر " مدونة إبن سبأ "

الفارس المصعبي
04-06-2009, 12:48 AM
مشكور ابوشهاب
على المعلومات الرائعه عن شبوة الصحراء وحياة البداوة الشبوانيه

بن لهمج
04-06-2009, 02:25 PM
شكرأ اخي بوشهاب على النقل المميز بالفعل شبوه تتمتع بعادات وثقافات مختلفه
هناك اصحاب الصحراء لهم عادتهم والبدو اصحاب الجبال لهم عادتهم واهل المدينه
لهم عادتهم ولاكن في النهايه شبوه ككل لازالت محافظه على العادات الحميده
التي ورثها الابناء من ابائهم واجدادهم ومعظمهاعادات فطريه ولاكن في الحقيقه
عندما تنظر اليه وتتمعن فيها تجدها تحمل دلا لات عده لها معاني واهداف
ورغم بساطتها وحلوات تعاملها الا انها تعني القيم والصدق والكرم والشجاعه الخ..
فتجدهم يحسنو التعامل مع تلك الثقافات والعادات وكانهم تعلموها في مدارس وجامعات..

المهاجرالطاهري
04-06-2009, 02:34 PM
لك كل الشكر اخوي ابو شهاب

موضوع رائع حول شبوة التاريخ

وتنوع الثقافات مابين البداوة والحضر

وتاريخ شبوة عريق ومميز على مر العصور