المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حقيقة الصوفيه


الصياد الصغير
15-10-2008, 02:03 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

معنى التصوف :
لغة : تعددت الأقوال في اشتقاق معنى التصوف ولكن جميع هذه الأقوال تنصبّ في مفهوم واحد .
وتعدد الأقوال فـي هذا العلم يثبت حقيقته العالية والراقية ، إذ كل الأقوال تستخرج اشتقاقاتها من أوصاف حسنة ، وهذا ينطبق على المعنى اللغوي أو الاصطلاحي أو العرفي .. لأن جميع من تناول التصوف بالتعريف ذكروا له أوصافاً جليلة وراقية ، مما يدل على علو شأن هذا العلم ورفعته . واختلافهم في وصفه جاء من اختلاف الرؤى لهذا الأمر العظيم .

فكل من وصفه وصف جهة معرفته وتذوقه له .. كما لو اجتمع قوم حول جبل شاهق عظيم وأرادوا وصفه فكل واحد منهم يصفه من جهة ما يرى ويلمس ويدرك وقد تختلف الأوصاف بشكل ما .. ولكنها جميعاً تؤكد وصفاً لشيء هائل وكبير .

وكذلك هو علم التصوف .

قال الإمام الجنيد رحمه الله :
" التصوف : استعمال كل خلق سَني ، وترك كل خُلق دني " .

قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رحمه الله :
"التصوف تدريب النفس على العبودية ، وردها لأحكام الربوبية".

قال شيخ الإسلام القاضي زكريا الأنصاري رحمه الله :
" التصوف علم تعرف به أحوال تزكية النفوس وتصفية الأخلاق وتعمير الظاهر والباطن لنيل السعادة الأبدية " .

وقال بعضهم : " التصوف كله أخلاق فمن زاد عليك بالأخلاق زاد عليك بالتصوف "

قال أبو الفتح البستي رحمه الله تعالى :

تنازع الناس في الصوفي واختلفوا *** وظنه البعض مشتقاً من الصوف

ولست أمنح هذا الاسم غير فتى ً * * * صفا فصوفي حتى سُمّي الصوفي


الخلاصة :
التصوف علم يبحث في أهم أركان الدين ألا وهو الإحسان .. ويضع الطرق والوسائل التي توصل الإنسان إلى
مقام الإحسان ، الذي عرفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه :
" أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " .

وذلك أن الشريعة الإسلامية تنقسم إلــــى ثلاثة أقسام ، وكل قسم من هذه الأقسام يتناول بالبحث موضوعاً خاصاً ، وهذا التقسيم اصطلاحي لجعل الشريعة الإسلامية منهج دراسي يسهل على طالب العلم درسه وفقهه .. وإلا فالعلوم أو الأقسام الثلاث تعني بمجموعها الكتاب والسنّة .

القسم الأول – العقيدة :
وهي الجانب الذي يبحث في التوحيد وما يليق بالإله جل جلاله وما لا يليق به عز وجل ويبحث في الأسماء والصفات والنبوات والغيبيات والآخرة .. إلخ . وهو ما يسمى علم التوحيد .

القسم الثاني – العبادات والمعاملات :

وهو الجانب الذي يبحث في العبادات من صلاة وصيام ..... إلخ ، وفي المعاملات كالبيع والشراء وغيرها من أبواب الفقه الإسلامي .

القسم الثالث – الأخلاق :

وهو الجانب الذي يبحث في الأخلاق وتزكية النفس وكيفية تخليتها من أمراضها وكل ما لا يرضي الله جل جلاله وتحليتها بالأوصاف الحميدة التي كان عليها سلف هذه الأمة وهذا ما سماه العلماء بـ " التصوف " ومنهم من سماه التزكية ومنهم من سماه علم السلوك .. وتسميات أخرى ، وكلها أسماء لمسمىً واحد ... وهو العلم الذي يبحث في تخلية النفس من الأمراض التي تحجبها عن الله وتحليتها بالأخلاق التي ترضي الله جل جلاله
فالتصوف كان حالة وسلوكاً تلقائياً للصحابة الكرام بحكم اتصالهم برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يكن هناك ما يدعو إلى تنبيههم إلى أحوال أو اصطلاحات كانوا قائمين بها فعلاً ذلك أن الأسوة عليه السلام بين أظهرهم وقد أمر الله عز وجل بالتأسي به صلى الله عليه وسلم فهم : أي الصحابة رضوان الله عليهم - يقتدون بالنبي صلى الله عليه وسلم إما سماعاً للأوامر والنواهي أو لحاله وسلوكه عليه الصلاة والسلام إذ التصوف هو العودة بالناس إلى جوهر الدين الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم .

فمثلاً نجد أن العربي القح الذي كان يتكلم العربية لم يكن ليحتاج إلى قواعد اللغة والإعراب والصرف ، فلغته تنساب من لسانه رقراقة سليمة لفظاً وتعبيراً ولكن مع مرور الزمن وتوسع رقعة العالم الإسلامي ودخول غير العرب في الإسلام ونقل بعض عادات الشعوب العجمية إلى المسلمين ، عندها تسربت الغفلة والشهوات ومال الناس إلى الدعة فتغيرت أحوال أكثر المسلمين ،عندها قام الغيورون على هذا الدين العظيم وهم العلماء الربانيون بمحاولة إعادة الناس إلى حقيقة الدين الذي كان عليه السلف الصالح من عهد الرسول إلى القرون الثلاث التي شهد لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيرية ، فرسموا مناهج وطرق للأخذ بيد الناس إلى أهم أركان الدين ألا وهو مقام الإحسان الذي كان يعيشه الرعيل الأول من الصحابة وتابعيهم .

ومعلوم أن هذا المقام " الإحسان " له تعلق بالقلب ، والروح ، والنفس ، فيحتاج إلى مختصين به ، كما أن الفقه يحتاج إلى علماء مختصين به وكذلك غيره من العلوم فاصطلح أهل ذلك الوقت إلى تسمية هؤلاء الأقوام باسم المتصوفة وقد أسلفنا تفصيل أصل هذه التسمية فليرجع إليها .

حقيقة التصوف :

إن حقيقة التصوف أنه روح الشريعة الإسلامية ومعناها وقلبها وهو أي التصوف من ناحية رسم المنهج والسلوك فيه علم كسائر العلوم له مقدمات ونتائج ،وهو باعتبار معايشته والتفاعل معه ذوق ووجدان ، وهو من ناحية إعطاء كل من ينتمي إليه الدواء المناسب له من قبل الشيخ العارف بأدواء القلوب ، فن وحكمة فهو علم وذوق وفن . وهذه الثلاث هي مقومات الحياة الأبدية السعيدة وهو مقام الإحسان الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم " أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " .
وهو التخلق بالصفات الحميدة التي جاءت في الكتاب والسنة ، وأمر بها الشرع الشريف والتخلي عن كل الصفات الذميمة التي نهى عنها الشرع الحنيف .
ومن جملة الصفات الحميدة : التوبة .. الخشية ، المحبة ، الخشوع ، التواضع ، الحضور ، الشكر ، الفكر ... إلخ .
ومــــن الصفات الذميمة التي يتخلص منها السالك من خلال التصوف : الكبر ، العجب ، الرياء ، الحسد ، الحقد ، .. إلخ
ولتقريب هذا العلم وحقيقته من الأذهان نقول : إن الله أمر بالصلاة فقال : " وأقيموا الصلاة " .
فإذا أردنا الصلاة نذهب إلى الفقهاء فنتعلم منهم أن للصلاة شروطاً وأركاناً وواجبات ، كالطهارة من الحدثين واستقبال القبلة ... إلخ . هذا العلم يسمى " الفقه " .
ولكن الله عز وجل يقول أيضاً " قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون " فالخشوع أيضاً مطلوب في الصلاة كما إقامة الصلاة ، ولكننا لو فتشنا وبحثنا في كتب الفقه فلن نجد لكيفية الخشوع أو لتحصيله جواباً .
غير أن هناك علماً خاصاً مستقلاً كالفقه تماماً يعني بفقه القلوب فيبين السبيل الموصلة إلى الخشوع وهذا هو الفقه المسمى " التصوف " والتصوف لا يخرج مطلقاً عن حدود الشرع الشريف فتلبسه بالشرع الحنيف كتلبس الروح بالجسد .
ومع ابتعاد الناس عن الحالة الأولى للسلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين ظهر هذا العلم منضبطاً بقواعد واصطلاحات ومناهج شأنه شأن باقي العلوم ، كما أن الفقه والحديث لم تكن لها ضوابط وقواعد مكتوبة ومدونة ومرتبة بالشكل الذي نعرفه اليوم ، كعلم أصول الفقه ، مصطلح الحديث .
وفي تلك المرحلة الحاسمة قام علماء وأجلاء يدفعهم حب الله والإخلاص لدين الله جل جلاله قاموا فوضعوا قواعد الفقه والحديث وغيرها من العلوم الدينية ، كذلك التصوف في الصدر الأول كان معروفاً معاشاً ولما غاب ذوقه عن البعض فقام العلماء فوضعوا وضبطوا أصوله وطريقته .. ولكي لا يتلاعب به كل من هب ودب من المنتحلين والمدعين والمغرضين كان هذا العلم لا يؤخذ إلا عمّن كان مجازاً بهذا العلم الموصول بإجازات إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم . يقول الإمام القشيري رحمه الله متحدثاً عن نشأة التصوف وحقيقته :
" أعلموا أن المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتسمَّ أفاضلهم في عصرهم بتسمية سوى صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام إذ لا أفضلية فوقها ، فقيل لهم الصحابة ، ثم اختلف الناس وتباينت المراتب ، فقيل لخواص الناس ممن لهم شدة عناية بأمر الدين – الزهاد – والعباد ، ثم ظهرت البدعة وحصل التداعي بين الفرق فكل فريق ادعوا أن فيهم زهاداً ، فانفرد خواص أهل السنّة المراعون أنفسهم مع الله سبحانه وتعالى ، الحافظون قلوبهم عن طوارق الغفلة باسم التصوف ، واشتهر هذا الاسم لهؤلاء الأكابر قبل المأتين من الهجرة " .

مستشـ الحب ـار
19-10-2008, 05:13 PM
مشكور على التوضيح الرائع

ابوظافره الفقير
16-08-2009, 11:45 PM
@};-@};-@};-جزاك الله خير شكـــــــ على الموضوع ـــــــــراً تقـــــــــ مروري ــــــــــــبل@};-@};-@};-

الطاهري الخّربه
09-12-2009, 12:26 AM
مشكور

قناص شبوه
09-12-2009, 09:57 AM
جزاك الله خير